منبر إعلامي متجدد يهتم بشؤون وقضايا جهة الصحراء
trono

أسويلم والنّادي…أبرز “كالْديّات” الصحراء في زمن الحقبة الإسبانية

إضافة: العيون

تزخر جهة الصحراء بشخصيات رمزية وقبلية تركت بصمتها من خلال تأثيرها السياسي والمجتمعي في مرحلة معينة من تاريخ المنطقة الحديث وبالخصوص إبّان الحقبة الإسبانية التي تميزت بحضور مجموعة كبيرة من الرجالات كانوا فاعلين وصانعين للأحداث ومجريات المشهد الذي نجد من أبرز شخصياته حينها “أسويلم ولد أحمد إبراهيم” و”حمادي ولد أحمد الحمادي” باعتبارهما أول منتخبان في المنطقة يخوضان تجربة التدبير المحلي إنطلاقا من تقلدهما مناصب الرئاسة بكل من بلدية العيون عبر (النادي) والداخلة عبر ( أسويلم) في منتصف الستينيات من القرن الماضي.

وهكذا..ورغم التنسيقات التي كانت تجمع الرجلان مع الإدارة الإسبانية حول الشؤون المحلية بالعيون والداخلة، إلا أن الراحلين لم يكونا على توافق دائم مع حكومة مدريد بحسب مصادر عديدة قالت أن العلاقة بين الأطراف قد إتسمت كثيرا بالمد والجزر، إلى درجة الجفاء أحيانا، سيما مع سياسات المقيم العام الإسباني الذي كان يحسب بشأن تقرير أي خطوة مضادة للرجلان باستحضار ثقلهما المرجعي والسياسي، بالإنطلاق من عضويتهما ضمن الجماعة الصحراوية وأيضا عضويتهما بالكورتس الإسباني (البرلمان) فضلا عن مكانتهما الإعتبارية والمجمتعية بصفتهما كشيوخ لقبيلتين لهما وزنهما، النادي عن الركيبات-السواعد، وأبّاه عن أولاد دليم-أولاد تكدي.

إزداد أسويلم ولد عبد الله أحمد إبراهيم، الذي يوصف بأحد زعماء الصحراء المعاصرين سنة 1913 بمنطقة زوك، وقد حباه الله بخصال حصرية أمكنته من مشيخة أولاد دليم قاطبة وقبائل جهة الداخلة التي كان أحد رجالاتها المعروف بقوة الشخصية والرجاحة، والتأثير الكاريزماتي ليس على الأشخاص فقط وإنما طال الأنظمة السياسية بإسبانيا وموريتانيا والجزائر، مما جعل الملك الحسن الثاني يوفد إليه مبعوثين بهدف عودته من البوليساريو التي إختلف مع قيادتها في مراحل معينة قبل وفاته سنة 1995..الأمر الذي إستدركه نجله أحمدو في عهد الملك محمد السادس بعودته إلى أرض الوطن، وتعيينه كسفير للمغرب لدى مدريد وإستقباله من طرف الملك خوان كارولوس الذي تفاجئ من كم المعلومات التاريخية التي سردها أحمدو عن الروابط بين الصحراء والعرش العلوي وتاريخ والده الحافل أسويلم كبرلماني وكأول رئيس(كالدي) لبلدية الداخلة زمن الاستعمار الإسباني.

وفي نفس السياق، فهو الإستعمار ذاته الذي كان يعرف المكانة والثقل الإعتباري للراحل حمادي المزداد سنة 1934 بنواحي الحكـونية، كأول(كالدي) لبلدية العيون وبرلماني عنها زمن الحقبة الإسبانية، وكنجل للمجاهد أحمد الحمادي ولد أحميميد دفين منطقة الكلتة وقائد المعارك ضد التواجد الأجنبي بالصحراء كالحفرة الثانية وتوجنين والطريفية وميجك، وغيرها من الأمجاد التي إرتكز عليها النادي “الكالدي” قبل وفاته منتصف العام الجاري 2024، وما ظل يشكله قيد حياته من مرجعية وازنة بالنسبة لأهالي وساكنة العيون وشيوخها وفعالياتها ومنتخبيها الملزمين أخلاقيا وتاريخيا بتخليد سيرته وتسمية إحدى منشآت المدينة على إسمه، كشاهد على العصر وأحد الفاعلين البارزين في تاريخ الصحراء ممن كانت المناصب السياسية تسعى إليه ولا يسعى إليها، ولما تميز به من الحكمة والكرم والإيثار وبعد النظر وعنوان في الكياسة والإنفتاح على كافة الشرائح القبلية التي حرصت على تشييع جثمانه في موكب جنائزي مهيب لم تشهده من قبل مقبرة أكديم إزيك شرق العيون.

وإضافة على هذا وفي قراءة لمجريات الأحداث التي شهدتها الصحراء زمن الإستعمار الإسباني، يتضح من باب التاريخ وصون الذاكرة كي لا ننسى، أن الراحل أسويلم الملقب ب “أباه” كان الكالدي الوحيد الذي ترأس بلدية الداخلة إلى حدود سنة 1975، في حين أن بلدية العيون تناوب على رئاستها بعد حمادي الملقب ب “النادي” كل من عبد المعطي ولد أبريكة، ثم البشير ولد عابدين، الأمر الذي كان يوحي بحضور وإشراك عدد من القبائل الصحراوية ضمن المشهد السياسي والعمومي إبان الوجود الإسباني على غرار مكون الركيبات-السواعد، ومكون أولاد دليم- أولاد تكدي..وما بين القبيلتين من قواسم مشتركة ونزعة إستثنائية في الممارسة والتعاطي مع السياسة منذ الحقبة الإسبانية وإستمرارية ذلك إلى اليوم تحت السيادة المغربية كما يتجلي بتشكيلة مجالس جهتي العيون والداخلة إلى جانب البرلمان المغربي الذي يضم في تركيبته خليط من المكونات القبلية الأخرى علاوة على رئاسة مجلس المستشارين.